المقدمة
وضع المرأة عند العرب قبل الإسلام
إنّ الرجوع إلى تاريخ العـرب ما قـبل الإسلام هو للبحث عـن دلائل متعلّـقة بوضع المرأة وإسهام للتنوير عن وضعها في الأزمنة بعـد الإسلام، وبكلمة أخرى، ربط الماضي بالحاضر بتلك الاستمرارية غـير المرئيّة التي توحـّدهما. وأخيرًا إنّ الرجوع إلى الماضي هـو لتأكيد وإثبات ما يقـوله لفي برول : "إنّ العادات المتأصلة في أفكارنا وعـواطـفـنا، وآلاف الروابط غـير المحسوسة التي تربطـنا بماض نعـتقد أنّه انتهى، هـذه العادات شئنا أمّ أبيْنا تجعـلنا دائمأ نصب النبيذ الجـديد في الأقـداح القـديمة ونضع الأفكار الجديدة في البراويز القـديمة" 1</FONT>.
إذا ما عـدنا في الزمن إلى الوراء بقـدر ما تسمح لنا الوثـائق بذلك وجـدنا أنّ الكتب المقـدّسة، وكـتب الشـعـر، والأمثلة والأساطير وحصيلة الدراسات الفـلسـفـية تمكّننا من تحديد مصير المرأة في المجتمع العـربي الذي وُلـد فـيه الدين الإسلامي، حيث شيّد وتبلور، فـتاريخ ما قبل الإسـلام هـو تاريخ تمهـيدي، عـبارة عـن رواق أو مدخل إلى زمن محمد وخلفائه 2</FONT>. وإنْ يبدو الإسـلام ثورة أحـيانًا، لاغـيًا بعـض العادات أو بانيًا مؤسّسات جديدة في المجتمع الذي وُلد فيه فإنّه يؤكّد بجلاء، أنّ بين الاختلافات والمعارضات وجود عدد كبير من السمات المشتركة لتأمين الاستمرارية بين العادات العـربية والمؤسّسات الإسلامية.
فالعمل الثوري الذي غـيّر الجزيرة العربية بمجيء محمد يكشف عن اتجاهين : الأوّل هـو الرغبة في تدمير الماضي كلّه والثاني هـو الرغبة في الحفاظ عـلى الشواهـد.
هذه النزعة الثنائية تركت دمغة حتمية عـلى الأعـمال التي تبدو لأول وهلة، أنّها حدثت فجأة. ولكن العادات العربية كانت نفسـها مختلفة ومتباينة حسب الحقـبة الزمنية من تاريخ العـرب القديم. أو المناطق التي سـكنتها القـبائل وحسب الطبقات الإجتماعية.
يروي التاريخ لنا تقاليدًا، عـادات متغـيّرة مُشـوّهة ومغـمورة، فتظهر لنا متناقضة، ولكن هـذا لا يُدْهـشـنا أنْ تذكّـرنا أنّ الجزيرة العـربية الصحراوية القديمة كانت ملتقى للحضارات القـديمة. فـإسماعـيل، مثلاً، الذي تاه في الصحارى العـربية، والملكة سبأ التي تذكـر الأساطير علاقاتها مع الملك سليمان، ومجـوس الفـرس، وجيوش الحبشة، كل هؤلاء ما كانوا إلا صـدىً بعيدًا يبرهن عـلى أنّ الجزيرة العربية لم تكن معـزولة عـن بقـيّة العالم القـديم.
وفيما يتعلق بموضوعنا هذا، تستطيع الأساطير القديمة أنْ تلقي الضوء عـلى مفهـوم فكـرة العائلة عـند العـرب القـدماء أو مفهـوم المؤرّخين لها.
تصف الأساطير، في تاريخ العرب، وادي مكة.مهـدًا بدائيًا للسلالة العـربية، واسماعـيل ابن إبراهـيم هـو الجـدّ الأوّل لهذه السلالة ورواية زواج اسـماعيل وحياته العائليّة تعـطينا صورة عـن العائلة العـربية القـديمة، عـلى الأ قـل في ذهنيّة مؤرّخي الإسلام 3</FONT>.
ذهب ابراهيم في زيارة لابنه اسماعـيل بعـد مرور سـنة عـلى زواجه. وعـند وصوله باب منزل ابنه يلتقي بامرأة. "من أنت؟" سأل إبراهـيم. "إنني امرأة اسـماعـيل" أجابت المرأة. سألها "أين اسـماعـيل؟" قالت "ذهـب إلى الصيد" قال ابراهيم "إنني ضائع، جائع هـل لك أنْ تطعـميني؟" أجابت امرأة اسـماعيل "هـذه بـلد صحراوية وليس عـندي ما أطعـمك" لم يكن إبراهـيم جائعًـا وإنّما راد أنْ يمتحن زوجة ابنه وقبل أنْ يغادر المكان قال لزوجة ابنه" "إنني ذاهب، ولكن أخـبري زوجـك عـند رجـوعه بزيارتي وصفي له ملامح شخصي وقولي له أنني اطلب منه أن يُغـيّر عـتبة باب بيته. فهم اسـماعـيل مغـزى نصيحة والده إبراهـيم وطلّـق امرأته وتزوّج امـرأة ثانية - ابنة المدحذج. وبعـد زمن قصير يرجع إبراهـيم البطـريرك إلى منزل ابنه فـرأى إمرأة جميلة "من أنت؟" سأل. فأجابت : "أنا امرأة اسـماعيل" "أين اسماعـيل؟" سأل أجابت : "ذهـب إلى الصيد" أراد إبراهـيم أنْ يمتحنها كما فعـل مع الزوجة الأولى فطلب منها أنْ تطعـمه.
جلبت إمرأة اسـماعـيل الحليب، اللحمة والتمور، واعـتذرت عـن عـدم وجـود الخبز. أكل إبراهـيم وبارك الطعام المقـدّم له متمنيًا وفـرة الأصناف الثلاثة في المنطقة. وعـند انتهائه، دعـته زوجة اسـماعـيل لأن يغـسل لحيته ورأسه الملئ بالغبار. غـادر إبراهيم مسرورًا وقال لزوج ابنه : "صـفي لزوجك ملامح شخصي وقـولي له بالنيابة عـني، إنْ عـتبة باب البيت صالحة وجميلة" فهم اسـماعيل كلمات أبيه وعاش حـياة سعـيدة مع زوجته التي أنجبت كثيرًا من الأطفال فأداموا ذريته.
هـذه الأسطورة التي ترجع إلى تاريخ قـديم جـدًا، تمـثّل في جوهرها عـنصرين متواجدين في سلوك وتقاليد العـرب القدماء، فمن ناحية تُمثّل سلطة ربّ العائلة عـلى زوجته ومن ناحية ثانية، وبرغم هـذه السـلطة، فإنّ دور المرأة الاجتماعي لم يلغْ بسبب هـذه السلطة فدورها موجود إذ كانت تستقبل الضيف، تتكلم وتبحث وتتصرف في غـياب زوجها.
يُشـير تاريخ الأزمنة القديمة في كل مكان، أنّ ربّ العائلة هـو السيّد المطلق الذي أمام سـلطته يخضع له جميع أفراد العائلة من النساء والأطفال. ولا شكّ أنّ سلطة الأب هـذه قـد أنقصت من شأن المرأة، لأ ن الأب كان هـو الذي يحسم القـرار في زواج ابنته 4</FONT>. فالزوج هـو الذي يهيمن، وسـلطـته، لأنه ربّ البيت، لاتعـرف حـدودًا إلا عـواطفه وحسن معاملته. والأكثر من ذلك فإنّ المرأة، مبدئيًا، أزيحت وحل محلها الوارثون الذكور، وفيما بعـد جاء الإسلام أعـطاهـا حصتها من الميراث – قسمـًا منه -. عـلى الرغـم من وضعها المتدني، نظـريًا، فإنّ المرأة كان لها وجود، كانت تتكلم، وتفكّـر وتتصرف. يشهد التاريخ بعـدد من الوقائع التي تذكر تفوق ونشاط المرأة العربية القديمة. فكانت تشارك في الغـزوات 5</FONT> وتعمل في التجارة6</FONT> ولها الحـرية بأنْ تعـتنق الدين الذي يناسبها دون أنْ تتبع إرادة زوجها سـلبيا 7</FONT>. وإنْ قارنا دور المرأة المزدوج في تاريخ العـرب القديم ودور المرأة الآن في المجتمع الإسلامي، يمكننا أنْ نقول مع رينان بأنّ" المرأة العربية في زمن محمد لاتشبه مطلقا هذا الكائن الغـبيّ الذي يسكن قصور الحريم في عهد العثمانيّين" 8</FONT>.
كانت المرأة العربية القديمة جميلة لأ ن دورها كان فعالاً، إيجابيًا. كانت تعـيش. فيما بعـد جاء الإسلام 9</FONT>، بمؤسساته المختلفة، وقوانينه التيوقراطية والعواقب التي أسفرت عـنها، جاء وغـيّر المفاهيم والسلوك وهكذا شُلّت حركة المرأة. وعـلى الرغم من أنّ محمدًا أراد حمايتها إلا أنّ الإسلام ساهم في انحطاط المرأة. هـذه الحقيقة التي تبدو متناقضة لها ما يفسرها. فالمرأة في الأزمنة القديمة كانت محميّة الرجل، كانت تعـتبر في نفس الوقت أدنى منه، ولكن عـندما يكون الرجل هـو ربّ العائلة أو البطريريك، فإنّ المرأة التي هي أمّ أولاده كانت تستطيع أنْ تظهر إنْ صحّ القول، ملكة البيت العائلي. يحميها الرجل ويحترمها 10</FONT> في آن واحد، والأكثر من ذلك لم يكن الرجل يقصّر في تنظيم وضع شريكته - المال - حسب عـواطفه نحوها.
ولكن عندما تحوّل المجتمع العـربي من نظام أبـوي إلى نظام ملكي، حيث أعـطى الحاكم نفسه مهمّة نشر العـدالة حسب قوانين ثابتة وصارمة أو صادرة ومفروضة من الله، وجدت المرأة نفسها مُجْـبرة عـلى بعـض الواجبات التي لم تسـتطع أنْ تحلم، حتى مجرد حلم بالتخلص منها.
فقبل مجيء الإسـلام، كانت المرأة خاضعة لسلطة الأ ب أو الابن أو الزوج، وهـذه السلطة، كما قلت سابقـًا، كانت تُلطفها المحبة والعاطفة. أمّـا الآن، ومع الإسلام، فقد وجدت المرأة نفسها خاضعة لسلطة الله، الله العادل، الذي حسب عدالته الفائقـة، راح يصفع المرأة بالدونيّة.
فالمرأة قبل الإسلام هي غـير المرأة بعـده. فالأ ول كانت تلعـب دورًا اجتماعيا، بينما الثانية أصـبح دورها محـدودًا في بيت العائلة. وبالغ بعـض المسلمين الأخلاقيّين في هـذا الدور بقولهم إنّ البيت يجب أنْ يكون عمل المرأة الوحيد وأنّ عـليها أنْ تـنزوي فيه.
المرأة عـند العرب القدماءء كانت مرتبطة عاطفيًا بعائلتها أكثر من عائلة زوجها، وبالنسبة لها فان مكانة الأخ هي أهـمّ عاطفيًا من الزوج.
المثل السائر يفسر هـذه الظاهرة بوضـوح : "مـوت الأخ لايُعَـوّض، فهـو ليس كالزوج الذي يمكن إيجاده أو الطفل الذي تمكن ولادته" 11</FONT>.
ربما كانت هـذه السمة المميزة هي إحدى مخلّفات نظام الزواج اللُحمي، الذي انتقل فيما بعـد إلى الإسلام. هذه الطبيعة البطريركية لم تستوعـب أبدًا تلك العاطفة التي قد تستطيع اقتلاع امرأة من الحنان المقتصر عـلى العائلة فقط. نقرأ، في كتاب الأ غاني، قصة المحارب الوسـيم - من قبيلة يشكر - الذي في غـزوة ضد قبيلة تميم، خطف فتاة شابة نبيلة، وذهب عـمّ الفتاة يطالب المحارب باسترجاعها لقاء فـدية. أعـطى المحارب الخـيار للفتاة الأسـيرة أما أنْ تبقى معه أو تلتحق بعائلتها. واختارت الفتاة المحارب الوسيم الذي سـرق قلبها.
رجع عمّ الفتاة الأسيرة الجميلة إلى عـشيرته ساخطًا من ضعـف الجنس الذي يقبل هذا الاختيار. وتملّكه الغـضب فأمر بدفن ابنتيه الصغيريتين وحلف نفس المصير إنْ جاءته ابنة ثالثة أو رابعة في المستقبل. فالواقع إنّ اعـتماد المرأة عـلى عائلتها عـلى حسـاب - ضرر - علاقاتها الزوجية كان يضمن لها الحماية ضد
تعسف الزوج. فسلوك الزوج اتجاه زوجته كان يتحدد من خلال علاقته مع أهلها. إذ كان يخشى سـلطة أهلها، وقوّتهم أو ضعفهم كانت تفرض عـليه موقفـًا تجاه زوجته 12</FONT>. وقد لزم مرور وقت طويل لكي يخف ارتباط المرأة بقبيلتها، وتقوى علاقتها بزوجها.
هذه العقليّة، وإن خفت مع مرور الزمن، إلا أنّها انتقلت من المجتمعات الأبويّة إلى المجتمعات الملكيّة في الإسلام، مع سمات متعـدّدة للاستمراريّة.
أما الطلاق أو حل الزواج، فكان يتم بطرق متعـدّدة : تُشـير بعض الوثاثق أنّ المرأة العربيّة كانت تستطيع أنْ تطلّـق زوجها 13</FONT> وبعضها الآخر يقول أنّ الزوج وحده له الحقّ بأن يطلّق زوجته وأنّه أحيانًا كان يستغـلّ هـذا الحقّ. ولكن في بعـض الأحيان تصف لنا كتب الأ دب بأنّ المرأة كانت سيّدة نفسها، وتختار زوجها، ولها الحقّ بأنْ تهجره عـندما يناسبها ذلك. وإذا كانت المرأة العربية القديمة قاصرة أمام سـلطة الرجل إلا أنّها كانت لها الكفاءة أن تتحلّى بشخصيّة تمكنّها أنْ تستفيد من وسطها الاجتماعيّ.
نظريـًا، أراد محمد أنْ ينهض بشأن المرأة، هـذه التي بمفاتنها، أثّرت عـلى إحساسه الشاعـريّ، إلا أنّ الإسلام عـلى نقيض نواياه حطّ من مكانة المرأة. صحيح إنّ الإسلام حمى النساء من تعـسّف وظلم الرجل، ولكنه خنقهُنّ بجعـل تبادل العلاقات بينهُنّ وبين المجتمع صعـبًـا جدًا والنتيجة كانت أنّه انـتزع منهنّ الوسائل نفسها لكي يستفدن من حمايته. أما ظاهرة هـذه العـزلة الشاذة التي ساهمت كثيرًا في انحطاط سلوك المسلمين ، فلا نستطيع كتابة تاريخها بشكل جـد مرضٍ.
تشير بعض الوثائق، عـلى الأقـل في بعـض المناطق أنّ استعـمال الحجاب لم يكن معروفـًَا أو بعـضها بالعكس يشير أنّ عادة استعـمال الحجاب يرجع إلى حقبة قديمة من الزمن. وفي هـذا الصدد يقول المشـنا " إنّ طـريقة التدثـّر- التحجب – التي لاتطابق الطريقة العـربية لاتستحقّ بأنْ تسمّى بـ "عملية التحجب" 14</FONT>. واستعـمال الحجاب لم يكن شاملاً، ولدينا الوثائق التي تشير بالتأكيد إلى أنّ النساء في تلك الحقبة الزمنيّة وفي مجتمع محمد لم يخضعـن لاستعـمال الحجاب. ومن دون شـكّ فإنّ عادة الحجاب أخـذت، مع مرور الزمن، تُعـمّم وتوطـد مع تقـدّم الإسـلام.
في كل مكان حيث تأكدنا من عادة الحجاب في تاريخ سلوك المرأة العربية أو المرأة المسلمة، تأكدنا أيضًا من أنّ الجاريات – العـبدات - كنَّ مستبعـدات من اسـتعـماله وأنّ شـرف اسـتعـماله كان محفوظًا للطبقات الراقية، توجـد هـنا عـلاقة بين مسألة الطبقات الإجتماعية ومسألة العـزلة (أي عـزل المرأه)، وسـنرى فيما بعد الوثائق التي تبرهن عـلى ذلك.
ونضيف أنّه من الصعب عـلينا اسـتقراء أصـل هـذه العادة. فهي، كمنشأ كلّ الظواهـر الإجتماعية تقريبًا, دفنت في ظلام الزمن. ومع هـذا.نستطيع أنْ نقـدّم الفرضيّة التاليّة. في مجتمع العـرب القـدماء، غـالبًا ما كانت تتكـرّر الحـروب بين القبائل وكانت المرأة تُخطف كغـنيمة ثمينة، فكان عـلى الرجل أنْ ينتبّه ويحـترس لحمايتها. فكان يضعها في ملجأ محصّن صعـب الوصـول إليه من قـبل العـدو. فكان يغـلق عـليها ليوفّـر لها حماية أفضل - وهناك أسباب فلفسـيّة لامجال لذكـرها هـنا تؤكّـد هـذه الفرضيّة. من ناحية ثانية، فإنّ الجاريات، بطبيعة وضعهن كنّ مجـبرات عـلى القيام بأخـس الأعـمال، أمّـا الأخريات الحـرّات فكنّ معـفيات من هـذه الأعـمال، بفضل وجود الجاريات اللاتي كن عـلى اتصال بالعالم الخارجي وحارسات الخيم.
وهكذا، ولدت فكرة عـزل النساء من جرّاء المفاهيم الحربية للقبائـل، وتوطدت مع الإسلام، وتطـوّرت في تلك الأوساط التي كانت عـقليتها مهيّأة لأنْ ترى في المرأة شخصية سـفـلية ومنبعـًا للدونيّة. في بداية أيام المسـيحيّة، تشكلّت الأسطورة ذات الأصـل المسيحيّ والتي تعـمّمت - لسوء حظ المرأة - في البلاد المسيحيّة التي بدورها هيمن عـليها الإسلام 15</FONT>.
وهذا ملّخص الأسطورة:
يغادر أرخيليدس وهـو شاب في مقـتبل العـمر، مدينة القسطنطينيّة إلى مدينة أخـرى (بيروت أو الإسكندريّة) ليلتحق بالدير حيث يريد أنْ يمضي حياته كراهـب. وقد حلف هـذا الشاب الراهـب أنْ لايرى امرأة في حياتـه. وتعـرف أمّه بالصدفة أين تجده بعـد فترة انقطاع أخباره عـنها. تصل الأم إلى الديـر وتطلب من بوّاب الدير أنْ يأذن لها بالتكلم مع ابنها الراهب أخيليدس. يرفض الراهب أنْ يرى أمّه لأ نه نـذر أن لايـرى امرأة. تصـرّ الأ م عـلى رؤية ابنها ويعـد الراهب أنْ يسـتقبلها حالما ينتهي من صـلاته. ويترك البواب الراهـب لكي ينهي صلاته ولكن عـندما يرجع إليه يجـده جـثة هامدة. تدخـل الأم، وعـندما ترى جـثة ابنها، تموت بدورها.
لا شك أنّ نذر الراهب أنْ لايرى امرأة في حياته هو نتيجة الاحتقار للمرأة الذي نجده مكررأ في الأدب المسيحي القديم والذي يفسر لسببين :
1 - إنّ روايات العهد القديم - التوراة تنسب إلى حـوّاء أصل الخطية في تاريخ البشرية.
2 - النزعات التقـشـفية التي كانت منتشرة بين أوائل المسيحيّين والتي كانت عـدائيّة للعـواطف أو الغـراميّة التي تلهمها المرأة.
وأخيرًا فيما بعـد : أي بعـد انتصار الفـتوحات الإسلامية ذبلت شخصيّة المرأة العـربيّة النشيطة وتلاشت قيمة وزنها الاجتماعيّ. إنّ المؤسّسات ذات المصادر المختلفة، كتعـدّد الزوجات، والارسـتقراطيّة، والتيوقراطيّة، كل هذه العوامل تضافـرت لتساهم في مهانة المرأة التدريجيّة.
وموضـوع بحـثنا هـو دراسة مجموعة هـذه التأثـيرات المتضافـرة.
إنّ الرجوع إلى تاريخ العـرب ما قـبل الإسلام هو للبحث عـن دلائل متعلّـقة بوضع المرأة وإسهام للتنوير عن وضعها في الأزمنة بعـد الإسلام، وبكلمة أخرى، ربط الماضي بالحاضر بتلك الاستمرارية غـير المرئيّة التي توحـّدهما. وأخيرًا إنّ الرجوع إلى الماضي هـو لتأكيد وإثبات ما يقـوله لفي برول : "إنّ العادات المتأصلة في أفكارنا وعـواطـفـنا، وآلاف الروابط غـير المحسوسة التي تربطـنا بماض نعـتقد أنّه انتهى، هـذه العادات شئنا أمّ أبيْنا تجعـلنا دائمأ نصب النبيذ الجـديد في الأقـداح القـديمة ونضع الأفكار الجديدة في البراويز القـديمة" 1</FONT>.
إذا ما عـدنا في الزمن إلى الوراء بقـدر ما تسمح لنا الوثـائق بذلك وجـدنا أنّ الكتب المقـدّسة، وكـتب الشـعـر، والأمثلة والأساطير وحصيلة الدراسات الفـلسـفـية تمكّننا من تحديد مصير المرأة في المجتمع العـربي الذي وُلـد فـيه الدين الإسلامي، حيث شيّد وتبلور، فـتاريخ ما قبل الإسـلام هـو تاريخ تمهـيدي، عـبارة عـن رواق أو مدخل إلى زمن محمد وخلفائه 2</FONT>. وإنْ يبدو الإسـلام ثورة أحـيانًا، لاغـيًا بعـض العادات أو بانيًا مؤسّسات جديدة في المجتمع الذي وُلد فيه فإنّه يؤكّد بجلاء، أنّ بين الاختلافات والمعارضات وجود عدد كبير من السمات المشتركة لتأمين الاستمرارية بين العادات العـربية والمؤسّسات الإسلامية.
فالعمل الثوري الذي غـيّر الجزيرة العربية بمجيء محمد يكشف عن اتجاهين : الأوّل هـو الرغبة في تدمير الماضي كلّه والثاني هـو الرغبة في الحفاظ عـلى الشواهـد.
هذه النزعة الثنائية تركت دمغة حتمية عـلى الأعـمال التي تبدو لأول وهلة، أنّها حدثت فجأة. ولكن العادات العربية كانت نفسـها مختلفة ومتباينة حسب الحقـبة الزمنية من تاريخ العـرب القديم. أو المناطق التي سـكنتها القـبائل وحسب الطبقات الإجتماعية.
يروي التاريخ لنا تقاليدًا، عـادات متغـيّرة مُشـوّهة ومغـمورة، فتظهر لنا متناقضة، ولكن هـذا لا يُدْهـشـنا أنْ تذكّـرنا أنّ الجزيرة العـربية الصحراوية القديمة كانت ملتقى للحضارات القـديمة. فـإسماعـيل، مثلاً، الذي تاه في الصحارى العـربية، والملكة سبأ التي تذكـر الأساطير علاقاتها مع الملك سليمان، ومجـوس الفـرس، وجيوش الحبشة، كل هؤلاء ما كانوا إلا صـدىً بعيدًا يبرهن عـلى أنّ الجزيرة العربية لم تكن معـزولة عـن بقـيّة العالم القـديم.
وفيما يتعلق بموضوعنا هذا، تستطيع الأساطير القديمة أنْ تلقي الضوء عـلى مفهـوم فكـرة العائلة عـند العـرب القـدماء أو مفهـوم المؤرّخين لها.
تصف الأساطير، في تاريخ العرب، وادي مكة.مهـدًا بدائيًا للسلالة العـربية، واسماعـيل ابن إبراهـيم هـو الجـدّ الأوّل لهذه السلالة ورواية زواج اسـماعيل وحياته العائليّة تعـطينا صورة عـن العائلة العـربية القـديمة، عـلى الأ قـل في ذهنيّة مؤرّخي الإسلام 3</FONT>.
ذهب ابراهيم في زيارة لابنه اسماعـيل بعـد مرور سـنة عـلى زواجه. وعـند وصوله باب منزل ابنه يلتقي بامرأة. "من أنت؟" سأل إبراهـيم. "إنني امرأة اسـماعـيل" أجابت المرأة. سألها "أين اسـماعـيل؟" قالت "ذهـب إلى الصيد" قال ابراهيم "إنني ضائع، جائع هـل لك أنْ تطعـميني؟" أجابت امرأة اسـماعيل "هـذه بـلد صحراوية وليس عـندي ما أطعـمك" لم يكن إبراهـيم جائعًـا وإنّما راد أنْ يمتحن زوجة ابنه وقبل أنْ يغادر المكان قال لزوجة ابنه" "إنني ذاهب، ولكن أخـبري زوجـك عـند رجـوعه بزيارتي وصفي له ملامح شخصي وقولي له أنني اطلب منه أن يُغـيّر عـتبة باب بيته. فهم اسـماعـيل مغـزى نصيحة والده إبراهـيم وطلّـق امرأته وتزوّج امـرأة ثانية - ابنة المدحذج. وبعـد زمن قصير يرجع إبراهـيم البطـريرك إلى منزل ابنه فـرأى إمرأة جميلة "من أنت؟" سأل. فأجابت : "أنا امرأة اسـماعيل" "أين اسماعـيل؟" سأل أجابت : "ذهـب إلى الصيد" أراد إبراهـيم أنْ يمتحنها كما فعـل مع الزوجة الأولى فطلب منها أنْ تطعـمه.
جلبت إمرأة اسـماعـيل الحليب، اللحمة والتمور، واعـتذرت عـن عـدم وجـود الخبز. أكل إبراهـيم وبارك الطعام المقـدّم له متمنيًا وفـرة الأصناف الثلاثة في المنطقة. وعـند انتهائه، دعـته زوجة اسـماعـيل لأن يغـسل لحيته ورأسه الملئ بالغبار. غـادر إبراهيم مسرورًا وقال لزوج ابنه : "صـفي لزوجك ملامح شخصي وقـولي له بالنيابة عـني، إنْ عـتبة باب البيت صالحة وجميلة" فهم اسـماعيل كلمات أبيه وعاش حـياة سعـيدة مع زوجته التي أنجبت كثيرًا من الأطفال فأداموا ذريته.
هـذه الأسطورة التي ترجع إلى تاريخ قـديم جـدًا، تمـثّل في جوهرها عـنصرين متواجدين في سلوك وتقاليد العـرب القدماء، فمن ناحية تُمثّل سلطة ربّ العائلة عـلى زوجته ومن ناحية ثانية، وبرغم هـذه السـلطة، فإنّ دور المرأة الاجتماعي لم يلغْ بسبب هـذه السلطة فدورها موجود إذ كانت تستقبل الضيف، تتكلم وتبحث وتتصرف في غـياب زوجها.
يُشـير تاريخ الأزمنة القديمة في كل مكان، أنّ ربّ العائلة هـو السيّد المطلق الذي أمام سـلطته يخضع له جميع أفراد العائلة من النساء والأطفال. ولا شكّ أنّ سلطة الأب هـذه قـد أنقصت من شأن المرأة، لأ ن الأب كان هـو الذي يحسم القـرار في زواج ابنته 4</FONT>. فالزوج هـو الذي يهيمن، وسـلطـته، لأنه ربّ البيت، لاتعـرف حـدودًا إلا عـواطفه وحسن معاملته. والأكثر من ذلك فإنّ المرأة، مبدئيًا، أزيحت وحل محلها الوارثون الذكور، وفيما بعـد جاء الإسلام أعـطاهـا حصتها من الميراث – قسمـًا منه -. عـلى الرغـم من وضعها المتدني، نظـريًا، فإنّ المرأة كان لها وجود، كانت تتكلم، وتفكّـر وتتصرف. يشهد التاريخ بعـدد من الوقائع التي تذكر تفوق ونشاط المرأة العربية القديمة. فكانت تشارك في الغـزوات 5</FONT> وتعمل في التجارة6</FONT> ولها الحـرية بأنْ تعـتنق الدين الذي يناسبها دون أنْ تتبع إرادة زوجها سـلبيا 7</FONT>. وإنْ قارنا دور المرأة المزدوج في تاريخ العـرب القديم ودور المرأة الآن في المجتمع الإسلامي، يمكننا أنْ نقول مع رينان بأنّ" المرأة العربية في زمن محمد لاتشبه مطلقا هذا الكائن الغـبيّ الذي يسكن قصور الحريم في عهد العثمانيّين" 8</FONT>.
كانت المرأة العربية القديمة جميلة لأ ن دورها كان فعالاً، إيجابيًا. كانت تعـيش. فيما بعـد جاء الإسلام 9</FONT>، بمؤسساته المختلفة، وقوانينه التيوقراطية والعواقب التي أسفرت عـنها، جاء وغـيّر المفاهيم والسلوك وهكذا شُلّت حركة المرأة. وعـلى الرغم من أنّ محمدًا أراد حمايتها إلا أنّ الإسلام ساهم في انحطاط المرأة. هـذه الحقيقة التي تبدو متناقضة لها ما يفسرها. فالمرأة في الأزمنة القديمة كانت محميّة الرجل، كانت تعـتبر في نفس الوقت أدنى منه، ولكن عـندما يكون الرجل هـو ربّ العائلة أو البطريريك، فإنّ المرأة التي هي أمّ أولاده كانت تستطيع أنْ تظهر إنْ صحّ القول، ملكة البيت العائلي. يحميها الرجل ويحترمها 10</FONT> في آن واحد، والأكثر من ذلك لم يكن الرجل يقصّر في تنظيم وضع شريكته - المال - حسب عـواطفه نحوها.
ولكن عندما تحوّل المجتمع العـربي من نظام أبـوي إلى نظام ملكي، حيث أعـطى الحاكم نفسه مهمّة نشر العـدالة حسب قوانين ثابتة وصارمة أو صادرة ومفروضة من الله، وجدت المرأة نفسها مُجْـبرة عـلى بعـض الواجبات التي لم تسـتطع أنْ تحلم، حتى مجرد حلم بالتخلص منها.
فقبل مجيء الإسـلام، كانت المرأة خاضعة لسلطة الأ ب أو الابن أو الزوج، وهـذه السلطة، كما قلت سابقـًا، كانت تُلطفها المحبة والعاطفة. أمّـا الآن، ومع الإسلام، فقد وجدت المرأة نفسها خاضعة لسلطة الله، الله العادل، الذي حسب عدالته الفائقـة، راح يصفع المرأة بالدونيّة.
فالمرأة قبل الإسلام هي غـير المرأة بعـده. فالأ ول كانت تلعـب دورًا اجتماعيا، بينما الثانية أصـبح دورها محـدودًا في بيت العائلة. وبالغ بعـض المسلمين الأخلاقيّين في هـذا الدور بقولهم إنّ البيت يجب أنْ يكون عمل المرأة الوحيد وأنّ عـليها أنْ تـنزوي فيه.
المرأة عـند العرب القدماءء كانت مرتبطة عاطفيًا بعائلتها أكثر من عائلة زوجها، وبالنسبة لها فان مكانة الأخ هي أهـمّ عاطفيًا من الزوج.
المثل السائر يفسر هـذه الظاهرة بوضـوح : "مـوت الأخ لايُعَـوّض، فهـو ليس كالزوج الذي يمكن إيجاده أو الطفل الذي تمكن ولادته" 11</FONT>.
ربما كانت هـذه السمة المميزة هي إحدى مخلّفات نظام الزواج اللُحمي، الذي انتقل فيما بعـد إلى الإسلام. هذه الطبيعة البطريركية لم تستوعـب أبدًا تلك العاطفة التي قد تستطيع اقتلاع امرأة من الحنان المقتصر عـلى العائلة فقط. نقرأ، في كتاب الأ غاني، قصة المحارب الوسـيم - من قبيلة يشكر - الذي في غـزوة ضد قبيلة تميم، خطف فتاة شابة نبيلة، وذهب عـمّ الفتاة يطالب المحارب باسترجاعها لقاء فـدية. أعـطى المحارب الخـيار للفتاة الأسـيرة أما أنْ تبقى معه أو تلتحق بعائلتها. واختارت الفتاة المحارب الوسيم الذي سـرق قلبها.
رجع عمّ الفتاة الأسيرة الجميلة إلى عـشيرته ساخطًا من ضعـف الجنس الذي يقبل هذا الاختيار. وتملّكه الغـضب فأمر بدفن ابنتيه الصغيريتين وحلف نفس المصير إنْ جاءته ابنة ثالثة أو رابعة في المستقبل. فالواقع إنّ اعـتماد المرأة عـلى عائلتها عـلى حسـاب - ضرر - علاقاتها الزوجية كان يضمن لها الحماية ضد
تعسف الزوج. فسلوك الزوج اتجاه زوجته كان يتحدد من خلال علاقته مع أهلها. إذ كان يخشى سـلطة أهلها، وقوّتهم أو ضعفهم كانت تفرض عـليه موقفـًا تجاه زوجته 12</FONT>. وقد لزم مرور وقت طويل لكي يخف ارتباط المرأة بقبيلتها، وتقوى علاقتها بزوجها.
هذه العقليّة، وإن خفت مع مرور الزمن، إلا أنّها انتقلت من المجتمعات الأبويّة إلى المجتمعات الملكيّة في الإسلام، مع سمات متعـدّدة للاستمراريّة.
أما الطلاق أو حل الزواج، فكان يتم بطرق متعـدّدة : تُشـير بعض الوثاثق أنّ المرأة العربيّة كانت تستطيع أنْ تطلّـق زوجها 13</FONT> وبعضها الآخر يقول أنّ الزوج وحده له الحقّ بأن يطلّق زوجته وأنّه أحيانًا كان يستغـلّ هـذا الحقّ. ولكن في بعـض الأحيان تصف لنا كتب الأ دب بأنّ المرأة كانت سيّدة نفسها، وتختار زوجها، ولها الحقّ بأنْ تهجره عـندما يناسبها ذلك. وإذا كانت المرأة العربية القديمة قاصرة أمام سـلطة الرجل إلا أنّها كانت لها الكفاءة أن تتحلّى بشخصيّة تمكنّها أنْ تستفيد من وسطها الاجتماعيّ.
نظريـًا، أراد محمد أنْ ينهض بشأن المرأة، هـذه التي بمفاتنها، أثّرت عـلى إحساسه الشاعـريّ، إلا أنّ الإسلام عـلى نقيض نواياه حطّ من مكانة المرأة. صحيح إنّ الإسلام حمى النساء من تعـسّف وظلم الرجل، ولكنه خنقهُنّ بجعـل تبادل العلاقات بينهُنّ وبين المجتمع صعـبًـا جدًا والنتيجة كانت أنّه انـتزع منهنّ الوسائل نفسها لكي يستفدن من حمايته. أما ظاهرة هـذه العـزلة الشاذة التي ساهمت كثيرًا في انحطاط سلوك المسلمين ، فلا نستطيع كتابة تاريخها بشكل جـد مرضٍ.
تشير بعض الوثائق، عـلى الأقـل في بعـض المناطق أنّ استعـمال الحجاب لم يكن معروفـًَا أو بعـضها بالعكس يشير أنّ عادة استعـمال الحجاب يرجع إلى حقبة قديمة من الزمن. وفي هـذا الصدد يقول المشـنا " إنّ طـريقة التدثـّر- التحجب – التي لاتطابق الطريقة العـربية لاتستحقّ بأنْ تسمّى بـ "عملية التحجب" 14</FONT>. واستعـمال الحجاب لم يكن شاملاً، ولدينا الوثائق التي تشير بالتأكيد إلى أنّ النساء في تلك الحقبة الزمنيّة وفي مجتمع محمد لم يخضعـن لاستعـمال الحجاب. ومن دون شـكّ فإنّ عادة الحجاب أخـذت، مع مرور الزمن، تُعـمّم وتوطـد مع تقـدّم الإسـلام.
في كل مكان حيث تأكدنا من عادة الحجاب في تاريخ سلوك المرأة العربية أو المرأة المسلمة، تأكدنا أيضًا من أنّ الجاريات – العـبدات - كنَّ مستبعـدات من اسـتعـماله وأنّ شـرف اسـتعـماله كان محفوظًا للطبقات الراقية، توجـد هـنا عـلاقة بين مسألة الطبقات الإجتماعية ومسألة العـزلة (أي عـزل المرأه)، وسـنرى فيما بعد الوثائق التي تبرهن عـلى ذلك.
ونضيف أنّه من الصعب عـلينا اسـتقراء أصـل هـذه العادة. فهي، كمنشأ كلّ الظواهـر الإجتماعية تقريبًا, دفنت في ظلام الزمن. ومع هـذا.نستطيع أنْ نقـدّم الفرضيّة التاليّة. في مجتمع العـرب القـدماء، غـالبًا ما كانت تتكـرّر الحـروب بين القبائل وكانت المرأة تُخطف كغـنيمة ثمينة، فكان عـلى الرجل أنْ ينتبّه ويحـترس لحمايتها. فكان يضعها في ملجأ محصّن صعـب الوصـول إليه من قـبل العـدو. فكان يغـلق عـليها ليوفّـر لها حماية أفضل - وهناك أسباب فلفسـيّة لامجال لذكـرها هـنا تؤكّـد هـذه الفرضيّة. من ناحية ثانية، فإنّ الجاريات، بطبيعة وضعهن كنّ مجـبرات عـلى القيام بأخـس الأعـمال، أمّـا الأخريات الحـرّات فكنّ معـفيات من هـذه الأعـمال، بفضل وجود الجاريات اللاتي كن عـلى اتصال بالعالم الخارجي وحارسات الخيم.
وهكذا، ولدت فكرة عـزل النساء من جرّاء المفاهيم الحربية للقبائـل، وتوطدت مع الإسلام، وتطـوّرت في تلك الأوساط التي كانت عـقليتها مهيّأة لأنْ ترى في المرأة شخصية سـفـلية ومنبعـًا للدونيّة. في بداية أيام المسـيحيّة، تشكلّت الأسطورة ذات الأصـل المسيحيّ والتي تعـمّمت - لسوء حظ المرأة - في البلاد المسيحيّة التي بدورها هيمن عـليها الإسلام 15</FONT>.
وهذا ملّخص الأسطورة:
يغادر أرخيليدس وهـو شاب في مقـتبل العـمر، مدينة القسطنطينيّة إلى مدينة أخـرى (بيروت أو الإسكندريّة) ليلتحق بالدير حيث يريد أنْ يمضي حياته كراهـب. وقد حلف هـذا الشاب الراهـب أنْ لايرى امرأة في حياتـه. وتعـرف أمّه بالصدفة أين تجده بعـد فترة انقطاع أخباره عـنها. تصل الأم إلى الديـر وتطلب من بوّاب الدير أنْ يأذن لها بالتكلم مع ابنها الراهب أخيليدس. يرفض الراهب أنْ يرى أمّه لأ نه نـذر أن لايـرى امرأة. تصـرّ الأ م عـلى رؤية ابنها ويعـد الراهب أنْ يسـتقبلها حالما ينتهي من صـلاته. ويترك البواب الراهـب لكي ينهي صلاته ولكن عـندما يرجع إليه يجـده جـثة هامدة. تدخـل الأم، وعـندما ترى جـثة ابنها، تموت بدورها.
لا شك أنّ نذر الراهب أنْ لايرى امرأة في حياته هو نتيجة الاحتقار للمرأة الذي نجده مكررأ في الأدب المسيحي القديم والذي يفسر لسببين :
1 - إنّ روايات العهد القديم - التوراة تنسب إلى حـوّاء أصل الخطية في تاريخ البشرية.
2 - النزعات التقـشـفية التي كانت منتشرة بين أوائل المسيحيّين والتي كانت عـدائيّة للعـواطف أو الغـراميّة التي تلهمها المرأة.
وأخيرًا فيما بعـد : أي بعـد انتصار الفـتوحات الإسلامية ذبلت شخصيّة المرأة العـربيّة النشيطة وتلاشت قيمة وزنها الاجتماعيّ. إنّ المؤسّسات ذات المصادر المختلفة، كتعـدّد الزوجات، والارسـتقراطيّة، والتيوقراطيّة، كل هذه العوامل تضافـرت لتساهم في مهانة المرأة التدريجيّة.
وموضـوع بحـثنا هـو دراسة مجموعة هـذه التأثـيرات المتضافـرة.
هوامش :
1- انظر : ليني برول ، أخلاق وعـلم السلوك ص 191 باريس 1907 بالفرنسية Levy-Bruhl, La Moral et la science des moeurs, Paris. 1907
2- كوسان دوبيرسيغال : مقالة حول تاريخ العرب ، 1902 ، ج 1 ، ص 9.
3- المسعودي : مروج الذهب، باريس ج 03ص97.
4- فلهاوزن، 1893. وانظرأيضآ البستاني، ترجمة الإلياذة، القاهرة، مطبعة الهلال، ص 559.
5- وهذه هي حالة خديجة، زوجة محمد، انظرص 8.
6- ابن سعـد : الطبقـات، ج8، ص 237.
7- مجلة كلا العـالمين، ديسـمبر 1951، أرنسـت رينان، محمد وأصـول الديانة الإسـلامية، ص 1059
8- أن مصطحلى المحمـديّة والديانة الإسـلاميّة يدّلان عـلى شـيئين مخـتلفـين من وجهة نظـرنا فالأوّل يدلّ عـلى عـقـيدة محمد فى نقـائها الأوّلى، والثانى عـلى العـكس يدلّ عـلى مؤسّسات عـديدة من أصـول شـتى والتى اتّخـذت بمـرور الزمن هـيبة القـوانين المقـدّسـة.
9- أنظـر كـودارى : درس فى التاريخ الإسـلامى، القـاهرة، 1911، ج1، ص26.
10- البستانى : مصدر مذكور سابقًا، ص280.
11- الأغـانى، ج19، ص 143.
12- بيرون : النسـاء العـربيات، باريس، فصل16، ص14.
13- Mold quaton, fol. 24a, 1.24
14- البستانى، مصدر سـابق، ص 214.
15- انظـر هـذه الأسـطورة التى نشـرها السيّد فنسينك، الأستاذ فى جامعـة ليدن.
1- انظر : ليني برول ، أخلاق وعـلم السلوك ص 191 باريس 1907 بالفرنسية Levy-Bruhl, La Moral et la science des moeurs, Paris. 1907
2- كوسان دوبيرسيغال : مقالة حول تاريخ العرب ، 1902 ، ج 1 ، ص 9.
3- المسعودي : مروج الذهب، باريس ج 03ص97.
4- فلهاوزن، 1893. وانظرأيضآ البستاني، ترجمة الإلياذة، القاهرة، مطبعة الهلال، ص 559.
5- وهذه هي حالة خديجة، زوجة محمد، انظرص 8.
6- ابن سعـد : الطبقـات، ج8، ص 237.
7- مجلة كلا العـالمين، ديسـمبر 1951، أرنسـت رينان، محمد وأصـول الديانة الإسـلامية، ص 1059
8- أن مصطحلى المحمـديّة والديانة الإسـلاميّة يدّلان عـلى شـيئين مخـتلفـين من وجهة نظـرنا فالأوّل يدلّ عـلى عـقـيدة محمد فى نقـائها الأوّلى، والثانى عـلى العـكس يدلّ عـلى مؤسّسات عـديدة من أصـول شـتى والتى اتّخـذت بمـرور الزمن هـيبة القـوانين المقـدّسـة.
9- أنظـر كـودارى : درس فى التاريخ الإسـلامى، القـاهرة، 1911، ج1، ص26.
10- البستانى : مصدر مذكور سابقًا، ص280.
11- الأغـانى، ج19، ص 143.
12- بيرون : النسـاء العـربيات، باريس، فصل16، ص14.
13- Mold quaton, fol. 24a, 1.24
14- البستانى، مصدر سـابق، ص 214.
15- انظـر هـذه الأسـطورة التى نشـرها السيّد فنسينك، الأستاذ فى جامعـة ليدن.